أزمة العلاقات العربية عنوان ما بعد القمة
بدل أن تشكل قمة دمشق محطة لحل الأزمة اللبنانية، إذا بها تفجر أزمة عربية وتتحول
إلى منصة اطلاق لأخطر وأدق مرحلة تشهدها العلاقات العربية، إلى حد أنها تطرح على
بساط البحث والتساؤل مستقبل ومصير مؤسستى الجامعة العربية والقمة العربية.
وإذا كانت الأزمة اللبنانية شكّلت العنوان العريض والبارز فى مرحلة ما قبل القمة، فإن
أزمة العلاقات العربية ستكون هى عنوان مرحلة ما بعد القمة، وحيث أن هذه العلاقات
تتجه إلى مرحلة جديدة ومرشحة لأن تأخذ شكلا مختلفا بعدما فشلت محاولات ترتيب
الأمور بين سوريا ودول أخرى، لا سيما السعودية ومصر، كما فشلت محاولات تأجيل
وتأخير انفجار العلاقات مع أنه جرى خفض سقف الطموحات والوساطات من حل الخلافات إلى تجميدها، ومن نجاح القمة إلى عقدها وتمريرها بأقل الخسائر.
العلاقات العربية بعد قمة دمشق تتجه إلى مزيد من التوتر والتأزم. وهذا من شأنه أن يضع
دمشق وكل العواصم العربية أمام ظروف وتحديات جديدة، خاصة ان واشنطن تمارس
ضغوطاً متزايدة على سوريا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبى الذى قاطع القمة بصفة مراقب،
وان كان من يرى أن دمشق لن تخرج من قمتها معزولة لأن القمة انعقدت فى مكانها
وزمانها وصدر عنها بيان ختامى وسيكون الرئيس الأسد رئيس القمة العربية طوال سنة.
وعلى هذا النحو لن تعدو القمة العربية كونها محطة فى الصراع الإقليمى الذى باتت
تتجاذبه الأنظمة العربية، وحيث لا يعنى مستوى التمثيل والحضور فى القمة إلا أحد
مظاهر الشرخ العربي، على أن النقاط الخلافية التى كشفتها القمة من الملفين اللبنانى
والفلسطينى إلى النفوذ الإيرانى فى المنطقة، إلى مسألة الصراع العربي- الإسرائيلى
وعملية السلام.. سوف تعود للانفجار بشكل أقوى بعد القمة وتحت مظلة الحرب الباردة
الأميركية مع سوريا وإيران فى المنطقة، وفى مرحلة حساسة تجتازها الإدارة الأميركية
التى تريد التوصل إلى نتائج بأى ثمن خلال الأشهر الستة المقبلة سواء فى العراق أو فلسطين أو حتى فى لبنان.
وهكذا فإن لبنان بات فى مركز الصراع العربى الجديد ويقف على خط تماس الجبهات
والمحاور العربية المستحدثة، والوضع اللبنانى بات معلقا على التداعيات السلبية التى
يمكن أن تترتب على نتائج القمة، وسيعمد طرفا النزاع فى لبنان، موالاة ومعارضة، إلى
ترتيب المواجهة السياسية التالية وأجندتها وعدّتها فى انتظار ما ستؤول اليه المواجهات
والتوازنات العربية- العربية فى المرحلة المقبلة.
ثمة شعور و"قناعة" فى لبنان بأن قمة دمشق وضعت حدا لـ"المبادرة العربية" فى
صيغتها الأساسية، بحيث لم يعد من الممكن احياؤها إلا وفق تعديلات تدخل على ظروفها
وبنودها ومناخها العربي. وما كان ممكنا حصوله قبل القمة بات متعذرا بعدها، والبحث
السياسى الذى ساد فى أجواء هادئة تحت سقف المبادرة العربية وفى إطارها، سيحل محله
توتر سياسى وتبدل أولويات، وحيث يتقدم موضوع الانتخابات النيابية تدريجيا على
موضوع الانتخابات الرئاسية ومسألة ترميم وتفعيل حكومة السنيورة على مسألة
الحكومة الجديدة، فى وقت يرصد المراقبون تطورات ما بعد القمة
ونوعين من رد الفعل: رد فعل الأكثرية على دعوة برى للجلوس مجددا على طاولة الحوار..
ورد فعل سوريا على ما يجرى فى بيروت، ليس فقط قرار الحكومة اللبنانية مقاطعة قمة دمشق، وانما أيضا استضافة قوى الموالاة اللبنانية ما يسمى "المعارضة السورية" فى
بيروت، وإطلاق مرحلة من التنسيق السياسى المشترك والعلني.
كل ذلك يضع لبنان مجدداً أمام مرحلة أكثر صعوبة وسخونة وحذراً
سؤال يطرح نفسه :
انعقدت القمة العربية العشرون بدمشق في غياب عدد من القادة الفاعلين في عدة قضايا مزمنة ومصيرية في رايكم علي ماذا يدل هذا ؟و لماذا ؟